أحدث الأخبار الثقافية
الأحد، 10 يوليو 2011
في حوار خاص الروائي السوري فواز حداد للوكالة: روايتي المرشحة للبوكر هي الوحيدة التي ركزت على الفساد الثقافي..والنقد الحقيقي يتجاهل الكتاب الشباب
Do you like this story?
في حوار خاص..
الروائي السوري فواز حداد للوكالة: روايتي المرشحة للبوكر هي الوحيدة التي ركزت على الفساد الثقافي..والنقد الحقيقي يتجاهل الكتاب الشباب
الاحد, 2011.07.03 (GMT+3)
وكالة أنباء الشعر / سورية / زياد ميمان
عاش داخل فصول رواياته، فكان مختلفاً بنهجه وطريقة تناوله الأحداث والشخوص، عالج من خلال أعماله قضايا عديدة محورها الواقع والإنسان، فدخل نفس قارئه واستقر في ذهنه وذائقته، الروائي الكبير فوزا حداد يأخذنا معه إلى عوالمه ومشاهده من خلال هذا الحوار الخاص للوكالة..
-بحثت في روايتك موضوع الفساد وانتشاره، فما مدى تأثير الرواية في محاربة الفساد برأيك ؟
إذا اعتقدنا أن الرواية لديها القدرة على الحد من الفساد، فنحن مخطئون، لاسيما في تقديراتنا على المدى القريب. أما على المدى البعيد، فربما أحدثت أثراً، ليس مباشراً، وهذا باستغلال المشهدية الروائية في التعبير عن مناحي الفساد، وكشف آلياتها وتحليل مكوناته، وأساليب تغلغله في المجتمع والسياسة والاقتصاد على مستوى الدولة وأجهزتها العلنية والخفية.
الرواية تقوم بتجسيمه وفضحه، سواء بأسلوب واقعي أو فانتازي، وما يعطيها هذا الامتياز، أنها تمنح القارئ صورة داخلية عنه وتتفحصه بشكل مقرب، والتأكيد على مدى قدرته على تدمير الأخلاق والعلاقات الإنسانية.
وحتى لا يختلط على القارئ البحث الروائي بالبحث الميداني، فما نفعله قلما تخلو رواية منه، حتى لو كانت رواية عاطفية أو بوليسية.
الرواية عموماً ناقدة للحياة والبشر، ومن الطبيعي أن تتصدى للفساد الذي ينخر المجتمع، ويعمل على تشويه البشر.
- لك ثلاثة أعمال منعت ما قصتك مع المنع مع وصول "المترجم الخائن" للبوكر ؟
الآن أصبحت خمس روايات. المنع في هذا العصر غير مهم، ولا يشكل عائقاً، فالحصول على الكتاب بات متوفراً، بالنسبة للكاتب لا يستطيع مراعاة الرقابة حتى لو أراد التقيد بشروطها التي هي غير معلومة ولا معروفة ولا مفهومة، إذ تختلف من رقيب لآخر، بل والرقابة مزاجية أحياناً، وقد يجري المنع على اسم المؤلف من طرف آخر. لا يستطيع الكاتب أن يكون حبيس البلد الواحد، ويغبن إذا لم يخترق السوق العربية، لكن كيف لك إرضاء رقابات أكثر من عشرين دولة عربية؟ إذاً، فلنقلع عن هذا الأمر، ونكتب من دون عمل أي حساب للرقابة، ولنترك الكتاب لمصيره.
-فكر قومي وعبد الناصر، ووحدة عربية؛ هذا ما بدا في رواية "مرسال الغرام"، فهل ظهر كأيديولوجيا، أم أنه توظيف من أجل السرد في الرواية؟
منذ زمن غير بعيد حصدت الأيدولوجيا سمعة سيئة مبالغاً بها، وكان ذلك عقب انهيار البلدان الاشتراكية، وكأن الأيديولوجيا وصمة لصيقة بها وحدها، أو أن البلدان الرأسمالية بلا أيديولوجيا. لكن إذا اعتبرنا أن هناك مجموعة أفكار تشكل الخزان الذي يستند إليه الكاتب، لا يعلنه جهاراً بقدر ما يتبدى في أعماله، فهذه الأيديولوجيا لا غنى عنها للكاتب ولا يخلو منها العمل الأدبي.
بالنسبة لعبد الناصر، كنت ومازلت أحمل له تقديراً كبيراً، فقد كان زعيماً عربياً صاحب مشروع وطني كبير وعظيم. قد نختلف معه في التفاصيل، لكن التوجه كان سليماً بالمقارنة مع ما نراه اليوم، الزعماء العرب يعملون لحسابهم الشخصي، ومشاريعهم ممهورة بالأكاذيب والتضليل، تلك هي أيديولوجيتهم.
في "مرسال الغرام" كنت شاهداً على أكثر من زمن، فكان لابد من ظهور عبد الناصر وأم كلثوم في رواياتي أنا السوري، كلاهما كان له تأثيرعمّ البلدان العربية. لا يمكن فصل بلدي عن الحراك العربي، وهو جانب من عملي الروائي وظفته في السرد، ليس دعائياً، بل كواقع حال اجتماعي وثقافي وسياسي.
- بعض من أعمالك تحول إلى عمل فني آخر كالمسرح والسينما والتلفزيون، كيف ترى هذا الأمر؟
لم يشعر أغلب الروائيين بالرضا عن نقل أعمالهم إلى الشاشة الصغيرة أو الكبيرة، أو خشبة المسرح، فغدا اتخاذها شكلاً مختلفاً بالتركيز على الصورة، واختزال الأحداث، وتجسيد الشخصيات، هناك العقبة الكبرى، على أي نحو تصورها المخرج؟ من المستحيل أن يتطابق التصوران، يستطيع المخرج أن يدافع عما فعله، لكن الروائي هو الأب الأصلي للعمل المكتوب وهو صاحبه الشرعي.
بالنسبة إليَّ، لم يكن الأمر كارثة، منذ البداية، أو حتى قبل البدء، اعتبرت النقل محاولة لتفسير قد أختلف معه، وربما سأكون ضده. لكنه قد يعجب غيري، هذا ما يجعل الأمر محتملاً.
هكذا تقبلت العملية : العمل السينمائي أو التلفزيوني ينسب إلى المخرج وكاتب السيناريو، أما الرواية فمسؤوليتي وحدي.طبعاً أتمنى أن يكون العمل المنقول أميناً لكتابي، أعتقد أنه سيكسب الكثير.
-البوكر وروايتك "المترجم الخائن"، كيف ترى وصولك إلى قائمة البوكر في رواية أثارت جدلاً كبيراً؟
عبر البعض عن قناعتهم حول وصولي إلى قائمة البوكر، وهناك من أظهر إعجابه بالرواية وبالسخرية السوداء التي تجلت فيها، وهناك من انتقدها، ليس من الضروري إعادة هذه الجدل. أهمية هذه الرواية من منظاري أنها الرواية الأولى والوحيدة التي ركزت على الفساد الثقافي بهذا الشمول والزخم، وقد لاقت صدى في البلدان العربية الأخرى, وكتبت مقالات كثيرة عنها، والمثير أنهم أشاروا وبقوة إلى أن ما يجري في الرواية، لديهم شبيه به، كما أن أشخاصاً من ألمانيا وفرنسا يهتمون بمتابعة الأدب في بلدانهم قالوا لي إن البلدان العربية ليست استثناء في الفساد الثقافي.
لم أبتكر أحداثاً خارج ما يدور في الواقع، يبدو أنني في الجوهر قرأت الواقع بشكل جيد حتى أثارت الرواية هذه الانطباعات الحسنة.
-الكثير من الكتاب والشعراء تكون بذور الموهبة متفتحة في مرحلة عمرية مبكرة، وقيل بأنك مختلف عنهم، لأنك بدأت الكتابة بوقت متأخر ما سر ذلك ؟
لم أكتب في وقت متأخر، قلتها أكثر من مرة، فقد كتبت في سن مبكرة قصصاً قصيرة وأنا في سن الثالثة عشرة من عمري، وتابعت الكتابة بعدها من دون توقف، وأنجزت نحو 14 عملاً تراوحت بين المسرحية والرواية والسيناريو والقصة القصيرة، لكنني تأخرت في النشر. ربما لأنني أدركت أن على الكاتب أن لا ينشر سوى الأعمال التي ترضيه فعلاً، ولهذا تخليت عن أعمالي القديمة، واعتبرتها فترة تدريب استفدت منها كثيراً، لم أنشر منها إلا مجموعة مختارة من القصص القصيرة صدرت تحت عنوان "الرسالة الأخيرة".
لا يمكنك أن تكتب دونما دافع، يُطلق عليه الموهبة، وأنا أصفه بالشعور إلى الحاجة للتعبير عما يدور في داخلك ومن حولك. هذا الهاجس لم يفارقني، ولا أدري إلي أي حد وفقت بنقله إلى كلمات.
-نلاحظ وجودا لمهنك الكثيرة في رواياتك كيف كانت تتسلل تلك المهن إلى سرد كتاباتك؟ أم كان توظيفاً ؟
أنا لا أسعى إلى توظيفه، بقدر ما يجد طريقه إلى رواياتي، سواء بالتسلل إليها أو اقتحامها. هذا أمر لا يمكن التحكم فيه، أفضل ما نفعله خلال الكتابة أن نكون مطواعين لما يهبط علينا، بعد ذلك يأتي التأكد من صلابة ما كتبناه.
لقد درست الحقوق، ولم أعمل في هذا المجال، لكن ثقافتي القانونية أفادتني أكثر مما توقعت، ظننت أنني نسيت كل شيء عنها، فإذا بها تتدخل حتى في صياغة الجملة. ما امتهنته من أعمال، كان قليلاً، ولم أشعر أنه أثر بي، الحياة والبشر يمنحونك أكثر مما تصبو إليه، تستطيع أن تستعير منهم بلا استئذان حيواتهم وأفكارهم ومشاغلهم ومآسيهم وما يفكرون فيه، طبعاً ضمن "طبخة" روائية، تشعر أنك تنتحل شخصياتهم، ومن حسن الحظ، ورغم أنها جريمة يعاقب عليها القانون، فهي لا تقودك إلى السجن.
-إلى أي مدى يمكن أن تكون الوثيقة التاريخية مهمة في رواياتك، وهل تعتبرها مصدراً رئيسياً لتوثيق العمل ؟
في مجال كتابة رواية واقعية تحتوي على جانب تاريخي، أو رواية يحتل التاريخ أحداثها الرئيسة، لا مفر من التوثيق، وإلا كنا نكتب رواية لا مبرر لها، ولا داعي للعودة إلى التاريخ إذا أردنا تزويره، ولا ضرورة للتوثيق في حال كنا نكتب رواية فانتازية.
يحتاج الكاتب إلى أدوات لمعالجة التاريخ في الرواية، أي أن يستند إلى وقائع حدثت فعلاً، هذا في حيز منها، أما الباقي فيعتمد على تخليق الشخصيات وعلى أحداث هامشية. عموماً، الوثيقة ليست مصدراً رئيساً، وإنما أحد المصادر في الرواية، هناك الخيال وهو أساسي، ومن دونه لا رواية ولا روائيين.
-هل تكتب لقارئ يتجسد أمامك بشكل مباشر ؟
أكتب لقارئ مجهول ومتطلب، هذا القارئ على الأغلب هو أنا، أكتب شيئاً يرضيني وحدي. إذا حصل، فانا أحترم القارئ وأرضيه أيضاً.
أعتقد أن الكاتب في حال كان يكتب وفي ذهنه قارئ معين، فسوف يخضع لمتطلباته، بينما على الرواية ألا تخضع إلا لمتطلبات الكاتب نفسه. إن الاعتقاد بقارئ ممتاز يعني الانسياق له والتزلف إليه، وفي هذا تحديد للعمل الروائي لا يجوز أن يقع الكاتب أسيراً له، وبالتالي ينبغي على الكُتاب عدم الانصياع للسوق لا للرائج، هذا مقتل العمل الروائي.
-هل يتبدى لك الناقد الداخلي أثناء الكتابة أم أنه يظهر متى تنتهي منها ؟
يرافقني الناقد الداخلي طوال فترة الكتابة، غير أنه يغيب ويحضر، ولو كان حاضراً على الدوام لما كتبت شيئاً. يشوشني كثيراً ويثقلني بوساوسه، لا أتجاهله بل أتجاوب معه، وأخوض معه مناقشات ومعارك، ويقودني أحياناً إلى اليأس، وغالباً ينقذني. في النهاية أشكره، وأدرك كم أنا مدين له.
بالنسبة إليّ، مع بدايات العمل على النسخ الأخيرة للرواية، يصبح العمل أكثر دقة، خاصة بعد توضح معالم الرواية ومفاصلها وخطوطها، عندئذ لا يبقى سوى بعض اللمسات، وهي ليس لمسات أخيرة بقدر ما هي ضربات أخيرة.
-كيف تجد تجارب بعض روايات الشباب الآن وهل يقوم النقد بدوره كما يجب في تقييم الحالة ؟
الكتاب الشباب يكتبون أشياء لافتة مثيرة، ومهمة أيضاً. لا ينبغي التقليل من شأنهم على الإطلاق. إنهم طموحون وبارعون، وهذا لا يمنع من انتقادهم. يلزمهم بعض الخبرة ولا بأس بقليل من التواضع. الغرور يؤذي الكاتب، ولا يعتقد أحد أنه بلغ مرحلة الكمال ولا الإتقان، الأمر غير هذا بالتأكيد ، يجب تنمية مشاعرنا على طرائق استقبال الحياة وتفهم البشر، هذا ما يقودنا إلى الكتابة الحقة، التعالي أسوأ ما يصيب الروائي.
من المؤسف، أن النقد الحقيقي يتجاهل الكتاب الشباب، بينما النقد الكاذب يجري في ركابهم.
-نجد بعض الروائيين يكتبون رواية محورية، وما يكتبونه فيما بعد يكون روايات تدور في فلك الرواية المحورية، كيف تجد هذا النهج ؟
من المهم أن يعرف الكاتب النهج الذي يعمل عليه أو من خلاله. وهذا ما يعيدنا إلى أنه من الضروري أن يكتشف الكاتب طريقة عمله ليرسخها، أو ليطورها. وربما كنت أحد الذي يعتبرون أن الرواية، أية رواية ينبغي أن تكون غالباً محورية، أي تكفي نفسها، يضع فيها الكاتب كل ما يخصها، ولا تترك شيئاً لغيرها، إذ لكل رواية عالمها وغاياتها وأفكارها وآفاقها وشخصياتها، وإن كانت الروايات تتكئ على بعضها، وتستكمل في النهاية بعضها الآخر في عالم هو الأوسع والأشمل.
-كم من الوقت يلزم لولادة رواية جديدة تكون على قدر من التميز كسابقتها عند فواز حداد؟
أحياناً يحتاج إلى عدة سنوات. رواية "جنود الله" فكرت فيها منذ بداية الغزو الأمريكي للعراق. وعاشت في داخلي خمس سنوات. كتبت خلالها روايات أخرى، بينما كانت تنمو على حدة في مناخات واقع الحرب على وقع الأحداث اليومية وتداعياتها، كانت تبني نفسها بنفسها. أخيراً لم يبق إلا أن أضع نفسي في داخلها، وابدأ تلك المسيرة الطويلة والشاقة.
بعض الروايات تولد من رحم الرواية التي سبقتها، وكانت المأساة العراقية صالحة لكي أتلمس معضلة المواجهة مع الآخر في حدودها القصوى، فكانت روايتي الأخيرة "خطوط النار"